الأناملية (أنا مالي) ليست احترام لخصوصية الإنسان كما يصورها البعض بل هي تعني أنك لا تأبه لغيرك أو إلي ما يحدث معه أينما كان وكيفما كان، والأكيد ألّا يمكن أن يهتم شخص ما بصدق لنفسه ويمتلك هذه الصفة، فمن لا يعبأ بالآخر، الآخر لا يعبأ به بدوره، فيتصاعد الأمر من جانبك فلا تعبأ للعالم من حولك فيرد عليك العالم بأن يخرجك من بؤرة الضوء، فتصير لا تعبأ لأي شئ حتي لنفسك
فما الفرق بين التدخل في شئون الآخرين وأن تقول كلمة حق في موقف لا ينفع أبدا السكوت عنه؟ هذا السؤال لابد من الإجابة عنه بشكل واضح ومحدد حتى يزيل الغموض واللبس من عقول الناس، ذلك لأنه في عصر زادت فيه الأنامالية "أنا مالي" يبرر الكثيرون تصرفهم بأن هذا شأن الآخرين وأي تدخل منهم سيصبح بمنزلة تعدي علي حقوقهم الشخصية، إذا كيف تعرف أنك متعد ومتطفل على حرية الآخر؟ وبالمقابل كيف تتأكد أنك لست شيطان أخرس (العياذ بالله) ترفض أن تقل كلمة حق وقت ما يلزم الأمر ذلك.
فمن الصحيح أن التدخل في شئون الآخرين هو تصرف سيئ ولكن هناك أمور لا تستطع فيها الالتزام بالصمت والاكتفاء بالمشاهدة، لا يمكنك تحمل أن يحدث هذا أمامك ويستغل الفاعل ذلك الأمر متعللا أنه لن يمكنك التدخل، كل مرة تقول لنفسك ليس من حقك أن تتدخل ولكن من داخلك يقول لك عليك أن تفعل، أن تقول كلمة حق عليك أن تظهر الحقيقة حتى إن كان سيتسبب ذلك في غضب الآخرين منك فقد يحزنوا من تصرفك ولكنهم سيحترمونك بداخلهم في نهاية المطاف لأنك وقت إحقاق الحق لم تأخذ دور المتفرج وقلت كلمة حق حتى لو على نفسك.
قد لا يتفهم الآخرون أنك لم تتحمل الأمر لم ترضى الهوان لنفسك ولغيرك بالوقوف كالتمثال ولكنك وحدك تعرف جيدا عذاب الضمير لأنه كان يجب عليك القيام بأمر ما وأنت لم تفعل عامدا متعمدا خَشْيَة من الناس (والله أحق أن تخشاه)، والمفارقة في الموضوع تأتي عندما تكتشف أن من تدخلت لأجله غير شاكر لك بالمرة وقد لا يتخذ موقفك بل موقف الآخرين ضدك ويقول لك أنه لم يطلب أحد منك التدخل، بل أنك تدخلت من أجل نفسك لا من أجلهم، بالمناسبة هذا الأمر صحيح، ولديهم كل الحق في هذا فأنت تدخلت لنفسك أولا ومن أجل إراحة ضميرك وهل هذا بالأمر الهين ؟ فبالرغم من أن ما أقوله قد يحزنك لكن على الأقل هو حقيقي والكل يعرف ذلك؟
فقد يكون عدم ترحيب الآخر بتدخلك في الموقف من باب اختبار (الله) ذو الجلال والإكرام لك، هل تفعل ذلك لأجله أم تفعله تباهي أمام الناس لكي يمدحونك، فالشخص الذي يدعي فعل الخير إذا ما شعر أنه في موقف ضد طرف آخر من النوع الوقح أو العنيف يخاف أن يتدخل فيوضع في مشكلة معه فلذلك لا يأخذ طرف الحق بل يأخذ طرفه حتى يأمن شره، وهذا أسوأ من عدم التدخل نفسه، فلا يمكن أن ننسى قول الرسول "صلى الله عليه وسلم"(انصر أخاك ظالما أو مظلوما) فلما قاله النبي ﷺ قالوا: يا رسول الله! كيف أنصره ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه.
وأخيرا أقول ... كلمة الحق هي التي تقولها حتى إن كانت في غير صالح من تحب أو في صالح من تكرهه حتى إن كانت في غير صالحك أنت، وتيقن أنه كما ستنصف إنسان بقول كلمة حق عنه دون أي دافع وراءه غير إحقاق الحق ستجد من حيث لا تدري من يسخره (الله) عز وجل لك لنفس السبب دون أن يكون هناك سابق معرفة بينكم (وكما تدين تدان).
وتذكر وحدك ... أنت هو صاحب القرار.
*********************************
تعليقات
إرسال تعليق
يسعدني أن تضع تعليقك هنا حتي أسمع صوتك بحق